وأخيراً، دخلت المرأة الكويتية معترك الحياة السياسية، وآمن الكويتيون بقدرات المرأة بعد سنتين من المحاولات نفضت مقاعد مجلس الأمة.. اليوم تدخل أربع نساء يشهد لهن التاريخ بالخبرة والفاعلية، ويكفي أن نحترمهن وغيرهن من الكويتيات اللاتي لم يحالفهن الحظ، وحتى اللاتي لم يترشحن أصلا لكنهن مؤمنات بضرورة دخول المرأة إلى مجلس الأمة.. نعم، نحترمهن لأنهن واصلن المسيرة، لأنهن لم يتركن سبيلا لتسرب اليأس إلى نفوسهن بسبب العقليات الذكورية التي كانت تقصيهن عن هذه المقاعد.
إن من يعتقد أن العمل السياسي حكرٌ على الرجال هو بلا شك مخطئ، لأن العمل السياسي فطرة إنسانية، وهذه ليست رؤية حديثة أو من الواقع الجديد، ولعلنا نعود إلى سنوات ما قبل الميلاد في رؤى الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي كان ينظر إلى الإنسان على أنه كائن سياسي، كما يرى أن مشاركة الأفراد في السلطة ضرورية، ولم يحدد هذا الرجل الذي جاء من سنوات ما قبل الميلاد نوعية جنس الأفراد بل تطرق في نظرته إلى المصلحة العامة والمشاركة التي تضمن للأقوام العيش معاً لتحقيق أفضل حياة ممكنة.
المطالبة بمشاركة المرأة في الحياة السياسية ليست مطالبة عبثية أو لمجرد النوع كمنافسة ما بين رجل وامرأة، بل هي في قناعاتي الراسخة مطالبة مُكمّلة لأن يتقلد «الأكفأ» هذا المنصب، ويكون هذا المقعد لمن لديه القدرة على إدارته، «الأكفأ»، سواء كان امرأة أو رجلا، هذا هو المسار الصحيح الذي نضمن من خلاله تكوين جهاز حكومي يصعد بالوطن والمواطن.
لو نظرنا إلى لتجارب السابقة التي رأينا فيها النساء متقلدات كبريات المناصب، فسيدخل اليقين إلى نفوسنا وستتعبأ ارواحنا بالراحة والأمان، لأن تلك التجارب في معظمها كانت ناجحة، ذلك لأن المرأة لديها الالتزام الواضح من الناحية العملية، هذا الالتزام هو من طبيعة المرأة أساساً، كما أنه برز بعد سنوات طويلة من التشكيك والتقليل من قدراتها.
رغم إيماني بضرورة تطبيق نظام «الكوتا» في الدول العربية كحل مؤقت إلا أنني سعيدة جدا بأن هذا النجاح جاء من خلال عملية ديموقراطية واعية، هذا النجاح ليس للكويتيات والكويتيين، بل هو نجاح لنا جميعا في دول الخليج والعالم العربي، ولعل هذا النجاح يحفزنا في السعودية على البدء بخطوات حقيقية تجاه الديمقراطية في مجلس الشورى، حتى ولو بالانتخاب الجزئي كخطوة أولى، على أن تُعطى المرأة حق الترشيح كجارتها الكويتية.
كثيرون حينما أصادفهم يسألونني عن حقيقة دخول المرأة السعودية تحت قبة الشورى، وذلك بعد تعيين ست مستشارات قبل حوالي ثلاث سنوات، وهذا العام زاد العدد إلى عشر نساء.. في الحقيقة إن هؤلاء النسوة –مع احترامي لتجربتهن وتواجدهن- لا يجلسن تحت قبة الشورى بل في غرفة معزولة ويتم التواصل معهن عبر ما يسمى بالدائرة التلفزيونية المغلقة. هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإننا لم نلمس حتى الآن أي تواجد حقيقي لهن سوى مشاركة وفود الشورى في السفر إلى الخارج، وفي هذا تناقض كبير، إذ تُمنع هؤلاء المستشارات من مشاركة الرجال في الجلوس على مقاعد الشورى تحاشيا للاختلاط وعملا بمبدأ سد الذرائع، فيما أنهن يرافقنهم في السفر إلى الخارج وتجلس معه في نفس المكان!!
الوطن ليس بحاجة إلى نساء «صورة»، بل إلى نساء فاعلات في شتى المناحي، قادرات على النهوض بقضايا المرأة المتخثرة في شرايين العقليات الذكورية، نساء قادرات على معالجة قضايا الرجل، وقضايا الطفل.. وحتى قضايا الحيوانات.