من أصدق أنواع العلوم والآداب
أدب وعلم السجون يسطع رغم العتمة الباهـرة
منذ السجن الأول الذي آوى يوسف الصديق عليه السلام ظلت تلك الأسوار مخزن للحريات المخبوءة والمغلفة بألم وحزن فرغم العتمة الشديدة والظلام الدامس نجد أقلام سطعت خلف المنفى..
أدب السجون مصطلح يعنى بالعلوم والكتابات التي ألفت بالسجن ..ويعتبر من أصدق أنواع الكتابة وأعذبها ، سواءً كان ذلك على مستوى السرد ، أو على مستوى الشعر ، أو بعض العلوم وذلك أنّه وليد تجربةٍ حيّة ، وصادقة ،فالإبداع يولد من رحم المعاناة كما يقول أصحاب السجن لذا فأن قراءة مذكّرات السجين وحدها كافيةً للمتعة والعبرة معا ، كيف لا وقد أُضيف على تلك المذكّرات الصبغة الروائيّة التي تخرجها من كونها سيرة ذاتيّة إلى أن تكون أحداثًا تروى خلف القضبان أو بالأصحّ خارج أسوار الحياة أدب السجن طال الأولين والآخرين..ففي الروايات العربية نجد هذا الجانب كثيرا ،نظرا لكثرة السجون العربية وقدمها، فهذه رواية (شرق المتوسط) بكتابتها الأولى والثانية و(مجنون الامل) لعبد اللطيف اللعبي و(تلك الرائحة) و(نجمة اغسطس) لصنع الله ابراهيم و(شهادات ووثائق عن زماننا) للصحفي المصري صلاح عيسى و(القلعة الخامسة) لفاضل العزاوي و(الحصار) لفوزية رشيد وغيرها الكثير، وقد عمل حسنا الكاتب الجاد (نزيه أبو نضال) حيث إلف كتابا مهما عن أدب السجون جمع فيه معظم ما كتب عن السجن.
أحمد بن حنبل وفتنة خلق القران :
لما كانت وقفة الإمام احمد بن حنبل في وجه الظلم وفي وجه البدع التي أرادت النيل من الدين خصوصا في فتنه خلق القرآن فلنا معه وقفة عظيمة. فقد صمد على الرغم من التعذيب والضرب بالسياط والحبس والملاحقة والإغراء.. بالمال والنفوذ ..و قد قال بعض الأشعار إثناء حبسه. من أشعاره وهو في السجن :
لعمرك ما يهوى لأحمد نكبـة من الناس إلاّ ناقص العقل مُغْـوِرُ
هو المحنة اليوم الذي يُبتلى بـه فيعتبـر السنِّـي فينـا ويسبُـرُ
شجىً في حلوق الملحدين وقرَّةٌ لأعين أهل النسك عفٌّ مشـمِّـرُ
لريحانة القرَّاء تبغون عـثـرة وكلِّكُمُ من جيفـة الكلب أقـذرُ
فيا أيها الساعي ليدرك شأوه رويدك عـن إدراكـه ستقصِّـرُ
محمود السعدني ومحنة الحبس :
محمودا السعدني حكاء عظيم ، يمتاز بخفة ظلة كما أن تجربته في الحياة ثرية للغاية و له العديد من الكتب التي تناولت مواضيع متنوعة منها :مسافر على الرصيف ،الولد الشقي ، صور متنوعة وغيرها ..عن بعض الشخصيات الأدبية و الفنية التي عرفها تلك الشخصية الساخرة من المجتمع طالها السجن كغيرها من الشخصيات الكاتبة ففي وفاة عبدالناصر حدث صراع على السلطة بين الرئيس أنور السادات وعدد من المسؤلين المحسوبين على التيار الناصري و إنتهى الصراع بإستقالة هؤلاء المسؤلين و اعتقال السادات لهم و تقديمهم للمحاكمة بتهمة محاولة الانقلاب و كان اسم محمود السعدني من ضمن أسماء المشاركين في هذا الانقلاب و تمت محاكمته أما " محكمة الثورة " و أدين و سجن .و كما يقول محمود السعدني فإن القذافي حاول التوسط له عند السادات إلا أن السادات رفض وساطته و قال " أن السعدني قد أطلق النكات علىّ و على أهل بيتي و يجب أن يتم تأديبه و لكني لن أفرط في عقابه " .و بعد قرابة العامين في السجن أفرج عن السعدني و لكن صدر قرار جمهوري بفصله من صحيفة صباح الخير و منعه من الكتابة بل و منع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية حتى في صفحة الوفيات ..
السجينة مليكه أوفقير :
مليكة أوفقير الإبنة البكر لـ الجنرال أوفقير الذي عمل طوال حياته بالقرب من القيادة المغربية ، قام بمحاولة اغتيال للملك الحسن الثاني وبعدها اعدم بخمس رصاصات في جسده.
تعرضت عائلته لأشد أنواع التنكيل وكان من ضمنهم مليكه تمكنوا بعد 20 سنة من السجن إلى الفرار منه بعد أن قامت هي وأشقائها بحفر نفق أرشدهم له أخوها رؤف لكيفية حفره.
ورغم مبالغتها الواضحة في وصف بعض الأحداث إلا أنها كانت تجربة مريرة أدمت الأفئدة ..فقد تكلمت عن عدة نقاط وطالتها أولها التبني وحرمانها من أهلها تحت رغبه من الملك وكأنها بذلك تصور مأساة السجن داخل أسوار القصر ،لحظات الاعتقال ،طريقه الأكل من الخبز اللي عليه أثار فضلات الفئران إلى البيض الأسود إلى الباذنجان الكريمي ،لحظات فصلهم في السجن والتقائهم من بعد 5 سنوات
المدهش هروبهم في تلك الليلة لدرجة إن القراء لروايتها لا يستطيع تخيل أشكالهم بالأحذية التي خاطتها لهم والدتهم وكيف أن الناس لم يندهشوا لمظهرهم الغريب لذا وجهت لها انتقادات حول مصداقية ماتقول ..
نساء المنكر :
وبعيدا عن الأديب الذي عانى مرارة السجن تسجل الصحافية السعودية سمر المقرن تجربة دخولها تلك الدهاليز برواية نساء المنكر والتي صورت معاناة السجينات السعوديات خلف القضبان وتخلي أهليهن عن التواصل معهن فبعيدا عن الهرج والمرج الذي طال الرواية نستطيع إن نصنفها ضمن أدب السجون لأنه تناول أحداث قامت داخل الأسوار..
.مؤلفات أخرى :
ألف الشيخ القرضاوي الملحمة النونية عندما سجن في فترة عبد الناصر، كذلك نجد الشهيد المفكر العملاق سيد قطب رحمه الله تعالى قد.. ألف "في ظلال القرآن" وكتابه "معالم في الطريق" و "المستقبل لهذا الدين"...عندما تقرأ له تشعر بحرارة عجيبة لذلك نرى أن علم وأدب السجن رائع يخرج من أعماق العالم أو الأديب .. فعلماءنا كانت لهم همة عالية ولم تعقهم السجون عن الكتابه ومواصلة مشوارهم العلمي ..
لماذا أدب السجون :
يهدف أدب السجون إلى تصوير الحياة التي يعيشها السجين خلف القضبان .. من سحق لكرامته مرورا بالأهانات التي يتلقها وانتهاء بتقدير قيمة الحرية ..ولو أردنا أن نجمع كل ما قيل في السجون من شعر،وسرد ،وعلوم منذ فجر التاريخ العربي حتى الآن، لحصلنا على مؤلفات ضخمة وعديدة مكتوبة بالعذاب والألم ومسطرة بالظلم والشوق إلى الحرية، وقد لا نبالغ أذا قلنا إن الأدب العربي كله أدب سجون، لأن الأديب العربي مقيد، حتى وهو في بيته، بقيود فكرية واجتماعية واقتصادية وسياسية وفنية..فما بالك بمن هو في السجن ..!
بقلم : أضواء الوابل
http://www.anhaar.com/ar/news/120/ARTICLE/4209/2009-07-01.html