Menu

مدونات و منتديات :

نقد رواية نساء المنكر- منتديات عناقيد الأدب
نقد رواية نساء المنكر

طريقة العرض :
رواية نساء المنكر جنس أدبي حائر بين المقالة الذاتية والقصة ، والذي عزز ذلك سردية الكاتبة مع التنويع في أسلوب العرض بين ضمير المتكلم والغائب . وإن كانت روح الكاتبة القصصية تبرز حينما تتكئ أكثر على ضمير المتكلم وضمير المخاطب أثناء الحوار بين الشخصيات.وعندما تعتمد الكاتبة على أسلوب (تيار الوعي) الذي لا يسير وفق التسلسل الزمني المنطقي للرواية تحدث ربكة في جانب الحبكة ( قصة غادة ) وإن كنت اعتقد أن مكانها إن كان لزاما على الكاتبة طرحه لا يكون في ذلك الموضع الذي جاءت فيه .
بينما برزت الروح المقالية في عرض الرؤية وتفسير المواقف والأحداث والتي كانت تفرض هيمنتها في صورة تجريدية تنهال في وخزات نقد ثورية لكافة تفاصيل الرؤية الاجتماعية أو لنقل العرف والدين وطبائع الأخلاق .
الحبكة :
الخيط الذي يربط بين أحداث القصة ليكون وحدة نسيج الحبكة برز أكثر منذ أحداث لندن ، ولا أفهم سببا للمشهد الأول الذي غابت عنه كافة تفاصيل الشخصيات باستثناء حديث النفس الذي كان يكرس فكرة واحدة ( الأنانية ) ، إضافة لعدم ارتباطه بالأحداث الأخرى ، ليظهر في صورة مبهمة حاولت الكاتبة فيه ترسيخ فكرة سيادية المرأة وكأن المشهد برمته جاء ليمهد أو لنقل يسوغ ما سيتبع من أحداث قصة ( سارة ورئيف). وهو أمر جعلني أشعر أحيانا أن الرواية هي مجموعة قصص قصيرة وشخصيات لم يجمعها سوى أمر واحد هو السجن؛ وذلك بسبب عدم ارتباط أحداث قصص (فتاة عسير ـ نورة ـ سميرة ـ خولة ) ببطلة القصة سارة ، ويظل الرابط الواهي لهذه الشخصيات هو المكان ( السجن ) زسبب دخوله.
ولكن تفاصيل القصص الجانبية الأخرى كانت تشتت ذهن القارئ وتوهن حبكة القصة بعض الشيء ، لتعود الكاتبة مرة أخرى إلى صلب موضوعها ( سارة ) وهي الشخصية المحورية للرواية والتي أصبحت أكثر التصاقا بذهنية المتلقي لبروزها جيدا في أكثر من حدث .
والجميل في الحبكة والذي نال إعجابي هو ختام الرواية بالمبدأ الذي بدأت به ( الأنانية ) . ويحسب للكاتبة أنها استطاعت أن تصل للحظة التنوير في ختام قصتها بطريقة ممتازة للغاية لم تحدث ربكة لنسق الأحداث ولم تفتعل أحداثا غير معقولة للوصول إلى الخاتمة ( صبابة قهوة تحضر حفل زفاف حبيبها) وكم كانت اللحظة مؤلمة بطريقة عفوية غير مفتعلة .
ومن الجدير ذكره أن حديث النفس الذي ساقته سارة في الأحداث كان يلم شعث ما تفرق من الأحداث ، وكانت الكاتبة تتوفق في ذلك حينا ويجانبها التوفيق حينا آخر .
فكرة الرواية :
الرواية في مجملها تكرس فكرة ثورية على الدين والعرف والمجتمع من زاوية أنثوية بحتة رغم أنها أحيانا تنساق للجانب الذكوري في تفسير مواقف الرجل . ولكن يعاب على الفكرة أنها أحيانا تطرح بصورة مباشرة تماما كما يكون الحال في فن المقالة .
بينما الجميل والمؤثر في طرح الفكرة يكون مصبوبا في خضم الأحداث وترك مسألة التقاط الفكرة التي يسوق لها القاص لبدهية القارئ ، وهي بذلك تكون أكثر تأثيرا ورسوخا وأقدر على التغيير .
الشخصيات :
لن أتحدث إلا عن الشخصيات التي برزت في الرواية في أكثر من موضع أما الأخرى الثانوية والتي لم تحمل حراكا للحدث الرئيس ساسثتنيها من النقد .
سارة :
هي أكثر الشخصيات وضوحا في القصة ، فالكاتبة سلطت عليها الأضواء أكثر من غيرها مما جعلنا نلمس أبعادها أكثر ونعرف رؤيتها تجاه الثوابت والمتحولات الاجتماعية ، حتى في تباين موقفها تجاه رئيف ما بين (حب وغيرة وخوف ورغبة وإحباط وحزن) ، فكاميرا سمر المقرن رصدت كل ذلك الحشد الهائل من العواطف المتقاربة والمتباينة لدرجة أننا عرفنا في الحياة سيدات مشابهات لها في جل التفاصيل لا كلها . وهي شخصية تتضح انهزاميتها في ثلاثة مواضع ( رئيف ، الهيئة وما تبع ذلك من سجن ، العمل كصبابة قهوة بأجر زهيد ) . لم تقاوم هذه الانهزامية إلا عندما أضربت عن الطعام لتعود إلى انهزاميتها وتعمل في أعمال أخرى بالسجن للهروب من حالتها النفسية المتأزمة .
وهي أيضا عاطفية إلى حد كبير يجعلها لعبة في بيد الآخرين ، إنها تتبع أهواءها دون لحظة تفكير ولذا لا نعجب حينما ينتهي بها الحال ما بين (سجينة تحمل وصمة عار لا يغفرها مجتمعنا الصارم ، وفقيرة بسبب فقد وظيفتها وعدم كفاية معاش والدها ، وخالية الوفاض من زوج محب يسبغ عليها حنانه ) . ولكنها صادقة تعرف ما تريد وما لا تريد ، تحمل هموم الآخرين بنفس مستوى تحمل همومها . إلا إن ذلك لا يلغي كون (سارة) شخصية (بوهيمية ) تتبع رغباتها دون كوابح دينية أو اجتماعية ، أو شخصية بدليل توجهها للمطعم مع ما تعلمه من مخاطر نبهها إليها زوج صديقتها مدير التسويق الأردني .
رئيف :
أولا لا أعرف سبب التسمية وهي التي لم أسمع بها من قبل في مجتمعنا ، ولذا تكون بداخلي أول حاجز نفسي مع البطل الثاني للقصة .
ويمكن القول أن ملامح (رئيف) والذي على ما يبدو لا يحمل من اسمه الكثير ، لم تكن مرسومة بصورة دقيقة وواضحة مثل سارة ولكن براعة سمر جعلت بعض المواقف تشف عن سماته الشخصية في ظل غياب كبير لملامح الشخصية من حيث العمل أو الدراسة أو الشكل بلستثناء عينية الصغيرين،أو الوضع الأسري باستثناء إشارة في آخر القصة إلى بيع حصته في المؤسسة ، ولكنه لا ينأى كثيرا عن الذئاب البشرية الذين يستغلون المرأة جنسيا دونما احتفالية تذكر تجاه مشاعر الطرف الآخر .
إنه يقضي الليل في أحضان عاشقة مولهة في أحد الفنادق ليستيقظ صباحا ليخابر حبيبته الأخرى على الهاتف ، وهو يعلم يقينا أن المسألة ستنكشف قريبا ، إنه حتى لا يظهر إعجابه بأنوثتها أو إغراءها بسبب حالة التشبع التي وصل لها .
يغيب عندما تشبع غرائزه ويعود حينما تستعر هذه الغرائز ، ولذا لا نعجب عندما يهمل مصير سارة في آخر القصة ، والأعجب أن سارة تبرر له لفظها وإقصاءها ، وعندما تكون اللحظة الجادة في الارتباط بامرأة حتما لن تكون سارة أو أي بطلة من بطلات مغامراته من تلبس العقد الماسي .
إذا هو شاب مثل كثير من الشباب في المجتمع السعودي ، يعلن الحب لأنه يعلم أن التاجر لا يربح بدون إعلان ، ولكنه لا يشتري البضاعة التي يعتقد كسادها وقلة منفعتها . ويمكن تصنيفه في فئة ( براغماتي ) بحت .
أم سارة :
امرأة مسنة ، تحمل أوجاع السنين ، لا تقو على قيادة دفة المنزل لجهل أو احتياج لسارة ماديا أو معنويا . هي أرملة بسيطة تحفل كثيرا بكلام الناس ونظرتهم لها ولابنتها . إنها تغفر لابنتها فهي لا تملك معينا سواها يعينها على مجابهة الحياة المظلمة .لم يظهر من ملامحها أكثر من الشعر الأبيض وهو كاف لكي يستشف القارئ حالة الوهن التي هي عليه جسديا وشخصيا .
لكنها حنونة للغاية .. تخشى على سمعة ابنتها كصبابة قهوة ، ولكن لم نلمس خشيتها على سمعة ابنتها لما هو أعظم ( الشرف والفضيلة ) ، كل ما عرفناه مجرد زيارات للسجن تشف عن عدم تخليها عن ابنتها كما تفعل بعض الأسر في حالات مشابهة .ولعل غياب العنصر الذكوري عن حياة سارة له دور في ذلك .
رجال الهيئة :
قدمت شخصيات رجال الهيئة في صورة مشابهة لما يشاع عنهم ،ولكن ليس في هذه الأيام بل في أيام خلت ، فهم يحملون شراسة قاسية وكره لكل مخطئ أو مخطئة ، وعملية اخذ الاعتراف لا تختلف عن ذلك بحسب ما سمعت وقرأت . والأمر يعود في رمته إلى اعتقاد قطعي في مخيلة رجال الهيئة بوجود حالة من الكهنوت والقداسة تحيط أعمالهم وتنزههم عن أي بطش أو امتهان لكرامة الإنسان ،هم ما زالوا أسرى فكرة( لنا الصدر دون العالمين أو القبر ) ، وموقفهم يبدأ وينتهي في رغبة سيادية جامحة لإحكام السيطرة على الأمور وإدارتها وفاق طريقته التي أقصتهم إعلاميا واجتماعيا .
إنهم يمارسون الكذب والعنف والشتم بصورة تشعرهم بقداسة ما يقومون به ، إنهم ينتزعون اعترافات المخطئين بالعنف حينا وبالحيلة حينا لسببين (الأول : حفاظا على سلامة موقفهم وأنهم لم يخطؤا . الثاني: إنهاء المسألة بأسرع وقت منعا لتدخل غير مرغوب قد يفسد عليهم حفلة الانتصار) .
والجدير بالذكر أن سمر المقرن أضفت من رؤاها الثورية الكثير حتى بت اعرف أن هذا المبدأ من تصورها هي وليس تصور سارة الانهزامية ، فالمبدأ الذي يشكل الشخصية لا يكون مبدأ إذا التزمته الشخصية حينا وانتهكته حينا آخر .
الزمان :
كافة التفاصيل توحي أن أحداث القصة متزامنة وليست قديمة ( الجوال ، رصيف 5 ...) وهي تتناول الحالة الاجتماعية في زمن ما بعد العولمة وانقلاب المفاهيم بسبب المد الإعلامي حتى بات أمر الفضيلة قابل للتفسير وتعدد الرؤى .
المكان :
ارتبطت الأحداث المؤثرة على القصة بأربع أماكن :
( لندن ) و ( المطعم ) و ( السجن ) و (صالة الأفراح ) وكل مكان أعطي حقه من التفصيل الذي أكسب القارئ قدرة على فهم الجو العام للحدث بدقة أكبر ، كما كان للجانب الوصفي لسمر المقرن قدرة عالية على تحسس الأماكن ومعرفة تفاصيلها لا سيما في ( لندن والسجن )، وبين هذين المكانين تباينت الحالة النفسية للبطلة ففي لندن كان الجو بهيجا وأغاني وردة تزرع الأمنيات ، وفي السجن كان الجو كئيبا ونواح السجينات يلد الآمال الذاوية .
وقد كان للمطعم دور واحد فقط وهو تصعيد الحبكة وخلط الأوراق وخلق مصير جديد ، وقد أحسنت سمر في اختيار المطعم ، فواقع الحال يقول إن العشاق لا تحلو لهم اللحظات الحميمية إلا والكروش ممتلئة !!
لتكون صالة الأفراح هي الأرض الأخيرة التي وقفت عليها سارة مجتمعة بحبيب (وهمي) ، وفيها كانت لحظة التنوير في أجمل صورة تلقيتها منذ فترة .

باختصار :
عمل فني جميل وبداية قوية تكشف جوانب مشرقة لكاتبة وقاصة من طراز جديد جريئة في الطرح تميل للوصف الدقيق ، والتجريد الرهيب للفكرة ، وإن كنت أرى من الآن أن التجريد هو داؤها الجميل فنيا والذي لا أتمنى أن تشفى منه .
ملحوظة أخيرة :
أحترم شخص الكاتبة سمر المقرن فوق العادة ، ولكني لا أتفق معها في الكثير من الأفكار التي راجت في القصة ، خصوصا تلك التي تمس ثوابت الدين .

الإحصائيات

  • عدد المشاهدات : 2160
  • عدد التعليقات : 0
  • التـقييــم : غير محدد
  • تقييم الموضوع
  • سيئ
  • متوسط
  • جيد
  • جيد جداً
  • ممتاز
  • تقييم