Menu

نساء المنكر :

مايا الحاج - صحيفة الحياة

جرأة الكاتبة السعودية سمر المقرن لم تكفِ لصنع رواية

مايا الحاج     الحياة     - 08/09/08//

«كتبت لهم ما يريدون، كتبت حكاية حبي التي كانت بعيدة من مدارك مثل هؤلاء الرجال الذين لا يفهمون عن الحب شيئاً ولن يفهموه. كتبت حكاية الحب أو الاعتراف بالجريمة مثلما يريدون. وجاء دور القاضي فحكم عليّ بالسجن أربع سنوات وسبعمئة جلدة، وحتى الآن لا يعلم أهلي شيئاً، فهم يعيشون في قرية جنوب الرياض، وقد أخبرهم شقيقي أنه زوّجني لرجل طيب وجــاءت ظروف الزواج عاجلة لأسباب السفر». هذا مقطع من رواية سمر المقرن الأولى «نســاء الــمنكر» التي تقع في 77 صفحة (دار الساقي، 2008)، وكما هو واضح من مضمون ما دُوِّن على ظــهر الــكتاب، تتحدث الرواية عن قضايا العنف ضد المرأة.

وعلى رغم أهــمية أو حــساسية هذا الموضوع الذي يتجلى من خــلال عــنوان الرواية، إلا أن اختياره لــم يكن بــمثابة النقطة التي تُحــســب لــسمر المقرن لأنها لم تــُقدّم نفســها كــروائية جــديدة ذات مخيلة جديدة أو إحساس مخـتلف. ففي «نساء المنكر» لم تــسلك الكاتبة طريقاً مغايراً عن ســابقاتها من الروائيات الســعوديات الشــابات ولم تســتفد فعلياً من الانتقادات التي طاولت أعمالهم الأدبــية، إذ أن اكــتراث الــكاتبة انــصب على مضمون الرواية ومــوضوعها وتجاهلت مستوى اللغة وأسلوب الكتابة السردية ومــا إلى ذلك.. والــمفارقة أن المقرن نفسها تعلل هذه النقطة معتبرة أنها كتبت روايتها إثر قــيامها بتحقيق صحافي في ســجون النــساء، كما أنها لا تراهن على الــمنجز الأدبــي الــعملاق لأن الحقيقة تمثّل هدفها الأول والأخير.

وما فات سمر المقرن أن كتابة الرواية تنطوي على مستلزمات أدبية وسردية ولغوية محددة لا يمكن تجاهلها، ومن يكتب الرواية لمجرد تصوير واقع ما أو الإفصاح عن حقيقة معينة غير آبه بشروط الكتابة الروائية فمن الأجدر أن يقدّم أبحاثاً أو مقالات صحافية بدلاً من الروايات الناقصة. ولكن على رغم انطواء الرواية على الكثير من نقاط الضعف إلا أنها حظيت منذ لحظة صدورها في الأسواق على رواج لافت، وهذا لم يعد أمراً مفاجئاً بالنسبة الى الروايات السعودية النسائية التي لم تقع يوماً ضمن خانة الروايات العربية ذات الصيت الذائع، إذ لم تكن تحتل حيّزاً كبيراً في مكتبات القرّاء العرب سابقاً ولا تجذب اهتمام الناشرين، إلا أنها صارت اليوم وبقدرة قادر محط انتباه القارئ العربي ودور النشر التي باتت تعرف مسبقاً أن لا بد للرواية السعودية النسائية الجديدة من أن تحقق نسبة عالية في المبيع، وإن لم تتمتع بمؤهلات العمل الأدبي الجاد والمميز. فالرهان الوحيد يكمن في الجو النافر الذي يعتمده اليوم كثير من الكتّاب الســعوديين الــذين يــدركون تــماماً أن الشــباب العربي يــستسيغ هذا الأســلوب الجريء والجديد لكونه يــسلّط الضوء على المرأة الســعودية ويكــشف أســرارها التي كانت من المحرّمات.

«نساء المنكر» هي من هذه الروايات التي اعتُبرت من أكثر الروايات إثارة للجدال بعد «بنات الرياض» لرجاء الصانع و «الآخرون» لصبا الحرز (الاسم المستعار للمؤلفة)، وذلك لأن الكاتبة سمر المقرن اصطحبت القارئ الى أروقة المجتمع النسائي المغلّف بالعتمة والغموض، وأضاءت حياة المرأة من خلال شخصية «سارة» التي ثارت على ظلم المجتمع المغتصب لحقوقها والمتمثل بالقضاة وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعادات والتقاليد. عمدت بطلة الرواية «سارة» المتزوجة الى إقامة علاقة غير شرعية مع «رئيف» الرجل العازب معتبرة نفسها أذكى واقوى من التقاليد التي تقيّدها الى أن يتم القبض عليها ويُحكم عليها بسبعمئة جلدة والسجن أربع سنوات. أرادت الكاتبة لبطلتها أن تكون استثنائية بقوّتها وصلابتها إلا أنها لم تفلح.

إذ كان هناك ثغرات كثيرة التفّت حول الشخصية وأضعفت موقفها وحجتها أمام القارئ ومنها تمرّدها على القضاة على رغم جهلها للأحكام القانونية والقضائية والشرعية. وهذا يبرز جلياً في قولها: «الغريب أن رئيف لم يُسجن سوى ثلاثة أشهر مع خمسين جلدة وكانت عقوبته أخفّ من عقوبتي بكثير مع أن من المفترض أن الجرم واحد...». لكن «سارة» نسيت هنا أنها متزوجة وعلى ذمة رجل، ما يجعل عقوبتها أشدّ من عقوبة «رئيف» غير المتزوج... ولكن بمعزل عن الثغرات التي ظهرت في بناء شخصيات الرواية وبعض التفاصيل الدقيقة، تبقى «نساء المنكر» عملاً روائياً كرّس اسم سمر المقرن كروائية حاولت أن تعبّر من خلال روايتها الأولى عن رأيها تجاه بعض التقاليد. ويمكن القول إن رواج الرواية لم يكن في مصلحة الروائية إذ اعتُبرت «الضجة» التي أحدثتها أكبر من حجم الرواية وأهميتها.

وفي المقابل لا يمكن أحداً تجاهل جرأة الكاتبة غير المعهودة على كشف «المستور» من خلال إزاحة الستارة التي تفصلنا عن المجتمع المحافظ وتصوير ذاك العالم الخفي وإظهار عيوبه وشوائبه.

أما السؤال المُلح الذي يطرح نفسه أمام هذا النوع من الروايات بانتظار الحصول علة الجواب الشافي فهو: «لماذا لا يقوم الروائيون بخطوة جدية تهدف الى تطوير مجتمعاتهم ووضع المرأة فيه من دون اعتماد شخصيات منحرفة أو متمردة على قيَم مجتمعها؟ ألا يمكن المرأة المحافظة والمحترمة أن تطالب بحقوقها الاجتماعية والسياسية من دون أن تلجأ الى التطرّف في أفعالها لمواجهة التطرّف الممارس ضدها؟ وهل أصبح اللجوء الى اعتماد المشاهد الجريئة في الروايات السعودية أمراً مطلوباً لتقديم روايات واقعية أم انها مجرّد وسيلة للحصول على الشهرة السريعة والمجد الباطل؟

الإحصائيات

  • عدد المشاهدات : 1337
  • عدد التعليقات : 0
  • التـقييــم : غير محدد
  • تقييم الموضوع
  • سيئ
  • متوسط
  • جيد
  • جيد جداً
  • ممتاز
  • تقييم